تاريخ الطاقة في سورية: من شعلة ديزل في دمشق إلى رهانات الشمس والرياح (1900–2025)
البدايات (1900–1950): النور الأول
دخلت الكهرباء إلى سورية مطلع القرن العشرين، حين أُضيء الجامع الأموي في دمشق عام 1904 بواسطة مولد ديزل استقدمته شركة بلجيكية، لتكون دمشق أول مدينة سورية تشهد هذا التحول. تلتها خطوات صغيرة: توربين مائي على بردى (1906)، وكهرباء حلب عبر مولد ألماني في فندق البارون (1929). بالتوازي، بدأت شركات النفط الأجنبية محاولات التنقيب شرق البلاد منذ العشرينيات، لكنها لم تحقق اكتشافات تجارية حتى منتصف الخمسينيات.
مرحلة الاكتشاف والتأميم (1950–1970)
عام 1956 اكتُشف حقل كراتشوك قرب الحدود العراقية باحتياطي يفوق مليار برميل، وتلاه اكتشاف حقل السويدية (1959). مع وصول البعث إلى السلطة، جرى تأميم الشركات الأجنبية (1964) وتأسيس شركة النفط السورية، وبدأت شراكات مع الاتحاد السوفييتي. عام 1968 وصل أول برميل إلى مصفاة حمص ومنها إلى ميناء طرطوس. في الفترة نفسها انطلقت مشاريع كبرى مثل سد الفرات (1968–1978) الذي وفر 880 ميغاواط من الطاقة الكهرومائية وربط الكهرباء وطنياً.
الازدهار والانفتاح (1970–1990)
ارتفع الإنتاج من 21 ألف برميل/يوم (1968) إلى أكثر من 200 ألف (1976)، ثم تأسست شركة الفرات للنفط (1985) بمشاركة شل وبتروكندا وديمينكس، وأصبحت المنتج الأكبر. في الثمانينيات اكتُشفت حقول غاز واعدة في جبسة وتدمر، لكن ضعف البنية التحتية أدى إلى حرق كميات كبيرة. بحلول التسعينيات، بلغ الإنتاج ذروته بأكثر من 700 ألف برميل/يوم (1989–1995)، مدفوعاً بالحقول الخفيفة في دير الزور والحسكة. غير أن العوائد لم تدخل الخزينة العامة، بل وُجهت إلى قنوات خاصة مرتبطة بالرئاسة، ما أعاق التنمية.
التوسع الغازي ومحطات الكهرباء (1990–2010)
في أواخر التسعينيات، اكتشفت توتال وأوكسيدنتال حقول غاز كبيرة في تدمر والقلمون. دُشّن سد تشرين (1999) بقدرة 630 ميغاواط. دخلت الألفية الجديدة مع توسع محطات الكهرباء الغازية: محطة دير علي (2008–2010) بطاقة 750 ميغاواط على الغاز المستورد عبر خط الغاز العربي، الذي ربط مصر بالأردن فسورية ولبنان، مع خطط للتمدد نحو تركيا. بحلول 2010، بلغت الطاقة الكهربائية المركبة ~7.8 غيغاواط، وإنتاج الغاز تضاعف إلى ~412 مليار قدم مكعب/سنة.
التراجع والاضطراب (2011–2014)
اندلاع الحرب عام 2011، والعقوبات الدولية، أدّيا إلى انسحاب شل وتوتال وتوقف الاستثمارات.
النفط: من 385 ألف برميل/يوم (2010) إلى أقل من 25 ألف (2014)، أي انهيار بنسبة 90%.
الخسائر: قُدرت خسائر قطاع الطاقة بأكثر من 12 مليار دولار حتى 2014.
الصادرات: التي كانت تتجاوز 3.6 مليار دولار سنوياً إلى أوروبا توقفت بالكامل.
الاعتماد على الخارج: إيران فتحت خط ائتمان 3 مليارات دولار وأرسلت 30 ألف برميل/يوم؛ روسيا عقدت اتفاقات مقايضة.
الكهرباء: البنية التحتية تضررت، السعة الاسمية بقيت 7.8 غيغاواط لكن الإنتاج الفعلي تراجع بشدة، مع فاقد في النقل بلغ 30%.
الانهيار العميق وسيطرة داعش (2014–2020)
خلال هذه الفترة، سيطرت تنظيمات مسلحة على معظم الحقول في دير الزور والحسكة، وباعت النفط بأسعار منخفضة (25–45 دولاراً/برميل). انخفضت مساهمة الطاقة الكهرومائية بسبب السدود التركية التي قلصت تدفق الفرات، ما أدى إلى توقف توربينات. بحلول 2018 لم يتجاوز إنتاج النفط 24 ألف برميل/يوم، فيما استمر النزيف الاقتصادي والاعتماد على الواردات.
بروز الطاقات المتجددة (2017–2020)
دخلت مشاريع شمسية ورياح صغيرة الخدمة:
محطة كهروضوئية في الكسوة (1 ميغاواط).
محطة رياح تجريبية (1.2 ميغاواط).
محطة عدرا الصناعية (2018–2020) بقدرة 10 ميغاواط قابلة للتوسع إلى 100.
مرحلة التحول وإعادة الإعمار (2021–2025)
أطلقت الحكومة استراتيجية للطاقة المتجددة: رفع مساهمة الشمس والرياح إلى 5% من المزيج الطاقي بحلول 2030 (1.5 غيغاواط شمسية + 1.5 غيغاواط رياح).
بين 2022–2025 أُعلن عن مشاريع رئيسية:
محطة الهيسية الصناعية (30–60 ميغاواط).
مشروع وادي الربيع (100 ميغاواط).
اتفاقيات مع UCC القطرية وشركات تركية وأمريكية لبناء 4 محطات غازية (4 غيغاواط) ومحطة شمسية (1 غيغاواط) بصفقة قيمتها 7 مليارات دولار (يونيو 2025).
التحليل العميق
دورات صعود وهبوط: من النور الأول في 1904، إلى ذروة النفط 1995، ثم الانهيار بعد 2011.
اقتصاد ريعي هش: الاعتماد على النفط كمصدر رئيسي للدخل جعل الاقتصاد عرضة للصدمات، خصوصاً مع العقوبات والحرب.
الغاز كخيار استراتيجي: مشاريع تدمر وخط الغاز العربي أبرزت أهمية الغاز للكهرباء، لكن الحرب عطلتها.
الفرصة المتجددة: وفرة الشمس (312 يوماً مشمساً/سنة، إشعاع 5 كيلواط/م²) تجعل الطاقة الشمسية مستقبل سورية.
التحدي المؤسسي: غياب الشفافية والفساد التاريخي في إدارة العوائد النفطية يفرض الحاجة إلى إصلاحات عميقة تضمن أن موارد الطاقة تخدم إعادة الإعمار والتنمية.
خاتمة
على مدى أكثر من قرن، انتقلت سورية من مصابيح ديزل بدائية إلى مشاريع طاقة شمسية عملاقة. الحرب دمّرت قطاع الطاقة، لكنها كشفت أيضاً ضرورة الانتقال من الاعتماد على النفط والغاز إلى اقتصاد طاقي متنوع ومستدام. ما بين الإرث النفطي والآفاق المتجددة، تقف سورية اليوم أمام فرصة لإعادة بناء قطاع الطاقة كركيزة للتنمية والنهضة.
فرص الطاقة المتجددة في سورية

خريطة سورية الشمسية

طاقة الرياح الواعدة

مصادر الطاقة المائية في سورية
التعاون
لننجز معًا! مستقبل الطاقة يبدأ هنا
هل ترغب في إحداث فرق حقيقي؟ تواصل معنا لدعم مشاريع الطاقة المتجددة في سورية، أو للاستثمار في الطاقة الشمسية، أو لمشاركة أفكارك حول مستقبل الطاقة المستدامة.
المراجع
تقرير تاريخ الطاقة في سورية (1900–2025)، مستند إلى مصادر عربية وإنجليزية متقاطعة، منها:
موسوعة بريتانيكا: الاقتصاد السوري وتحولات قطاع النفط والغاز.
Petroleum Industry in Syria – مقالة موسوعية توثق تطور الصناعة النفطية عبر القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين.
Country Studies – Syria (Library of Congress): مراجعة لبنية الاقتصاد السوري وقطاع الكهرباء حتى مطلع الألفية.
مجلة المجلة العربية والعربي الجديد: مقالات تحليلية حول النفط السوري وخطوط الأنابيب والتحولات الإقليمية.
منصة الطاقة (attaqa.net): تقارير متخصصة حول تطور إنتاج النفط السوري وتحديات الطاقة المتجددة.
موقع السفير العربي: مقالات بحثية عن الطاقات المتجددة في سورية وآفاقها المستقبلية.
البنك الدولي: تقارير حول مشاريع البنية التحتية للكهرباء ومحطات التوليد في سورية.
تقارير إدارة معلومات الطاقة الأمريكية (EIA): بيانات إحصائية عن إنتاج النفط والغاز السوري حتى عام 2014.