الطاقة في سورية 2025: نظرة شاملة على الواقع والتحديات والفرص
مقدمة حول مشهد الطاقة في سوريا
لطالما كان قطاع الطاقة في سوريا أحد أهم ركائز التنمية والاستقرار الاقتصادي والاجتماعي. لكن هذا القطاع شهد تحولات عميقة خلال العقود الماضية، خاصة في ظل تداعيات الأزمة والحرب. بحلول عام 2025، أصبحت مسألة الكهرباء والطاقة في سوريا حاسمة في حياة المواطن اليومية، وباتت من أهم مؤشرات جودة المعيشة وفرص التعافي الوطني.
المرحلة الأولى: ملامح قطاع الطاقة قبل الحرب
حتى عام 2011، كان القطاع الكهربائي السوري يعتمد بشكل رئيسي على الدولة، إذ تولت وزارة الكهرباء الإشراف الكامل على الإنتاج والتوزيع. بلغ عدد محطات الكهرباء حينها 14 محطة، بينها 11 محطة حرارية تعمل على الغاز الطبيعي والفيول والمازوت، و3 محطات كهرومائية. وصلت القدرة الاسمية للشبكة إلى نحو 9300 ميغاواط، بينما كانت الطاقة الفعلية المتاحة في أفضل الحالات تقارب 7200 ميغاواط فقط بسبب عوامل تقادم المعدات وغياب الصيانة الدورية.
بلغت نسبة فاقد الكهرباء بسبب ضعف الشبكات والسرقات حوالي 26%، وكان معدل انقطاع الكهرباء السنوي يصل إلى 43 يوماً في المتوسط، رغم بقاء تعرفة الكهرباء منخفضة للغاية بفعل الدعم الحكومي. مع بداية العقد الأول من الألفية، نما الطلب على الكهرباء بمعدل 7.5% سنويًا نتيجة توسع النشاط الصناعي وتحسن مستوى المعيشة وانتشار الأجهزة المنزلية.
المرحلة الثانية: التحديات والانهيار خلال سنوات الحرب
مع اندلاع الأزمة السورية في عام 2011، بدأ قطاع الطاقة يواجه ضربات قاسية. تعرّضت البنية التحتية للكهرباء للتدمير بفعل القصف والتخريب، وتوقفت الاستثمارات الجديدة وتفاقمت صعوبات الصيانة وتأمين الوقود. تضررت 4 محطات رئيسية (حوالي 18% من القدرة الإنتاجية الكلية)، وجرى تعطيل أو تخريب خطوط نقل رئيسية وأبراج كهرباء وأنابيب غاز.
تراجعت القدرة الإنتاجية الفعلية بشكل كبير؛ ففي عام 2021 على سبيل المثال لم يتجاوز إنتاج الكهرباء 2500 ميغاواط، بينما كان الطلب اليومي يتجاوز 9000 ميغاواط. هذا أدى إلى تقنين قاسٍ للتيار، حيث انخفض متوسط نصيب الفرد من الكهرباء إلى أقل من 15% مقارنة بما كان عليه قبل 2011. في بعض المناطق مثل حلب، وصلت ساعات التقنين إلى 10 ساعات مقابل نصف ساعة كهرباء، وفي دمشق كانت المعادلة ساعة كهرباء مقابل خمس ساعات انقطاع.
كما انعكس تراجع توليد الكهرباء على كافة الأنشطة الاقتصادية والصناعية والخدمية، وأدى إلى اعتماد الناس بشكل متزايد على مولدات الكهرباء الخاصة واشتراكات الأمبير، التي شكلت عبئًا ماليًا إضافيًا على الأسر.
المرحلة الثالثة: جهود إعادة التأهيل والبحث عن حلول بديلة
بدأت وزارة الكهرباء منذ عام 2016 تنفيذ خطط لإصلاح محطات التوليد وشبكات النقل، مع التركيز على الاستفادة من الموارد المحلية واللجوء إلى خبرات محلية كلما أمكن. ومع ذلك، فإن نقص التمويل وصعوبة تأمين قطع الغيار والعقوبات الدولية تسببت في بطء عمليات إعادة التأهيل، وظلت معظم المحطات تعمل بكفاءة منخفضة. في عام 2025، لم تزد القدرة النظرية عن 6000 ميغاواط، في حين أن الإنتاج الفعلي غالبًا أقل من 2600 ميغاواط.
في ظل هذا الواقع، يحصل المواطن السوري عادة على ساعتين إلى أربع ساعات كهرباء يوميًا فقط، بينما تعاني بعض المناطق من انقطاع شبه كامل أو خدمة متقطعة جدًا. هناك تفاوت كبير بين المدن والمناطق الريفية في توزيع التغذية، ويخضع التقنين لبرامج زمنية متغيرة حسب توفر الوقود وإمكانات الشبكة.
مصادر إنتاج الكهرباء وتوزيعها في سوريا
المحطات الحرارية: تشكل العمود الفقري لإنتاج الكهرباء، وتعتمد أساسًا على الغاز الطبيعي والفيول والمازوت، لكنها تواجه تحديات في تأمين الوقود الكافي؛ إذ يتوفر فقط 6-6.5 مليون متر مكعب من الغاز يوميًا مقابل طلب يقارب 23 مليون متر مكعب، كما يتم ضخ 5-5.5 ألف طن وقود مقابل طلب يبلغ 8 آلاف طن يوميًا.
المحطات الكهرومائية: تعتمد على سدود الفرات وتشرين والبعث بطاقة إجمالية كانت تتجاوز 1500 ميغاواط قبل الحرب، لكنها تراجعت لأقل من 2% من إجمالي التغذية بسبب انخفاض تدفق المياه وصعوبة الصيانة.
الطاقات المتجددة: رغم وجود ظروف مناخية مناسبة للاستثمار في الطاقة الشمسية والرياح، بقيت مساهمتها لا تتجاوز 2% من الإنتاج الكلي حتى عام 2025، ويقتصر وجودها على بعض المشاريع الصغيرة والمتوسطة.
قائمة أبرز المحطات الحرارية والكهرومائية في سوريا:
محطات حرارية رئيسية:
حلب
محردة
بانياس
الزارة
جندر
دير علي
السويدية
الناصرية
التيم
تشرين
محطات كهرومائية رئيسية:
سد الطبقة (880 ميغاواط)
سد تشرين (630 ميغاواط)
سد البعث (81 ميغاواط)
التكاليف والتحديات الرئيسية لقطاع الكهرباء
ارتفاع تكاليف إنتاج الكهرباء: تتراوح تكلفة إنتاج الكيلوواط الواحد من محطات البخار بين 2000 و2200 ليرة سورية، ومن محطات الغاز حوالي 1700 ليرة سورية، في ظل تصاعد أسعار الوقود وصعوبة تأمين الإمدادات.
ضعف شبكات التوزيع وكثرة الأعطال: ترتفع نسبة الفاقد الكهربائي إلى أكثر من 25% بسبب تهالك الشبكات والسرقات، وهو معدل مرتفع مقارنة بالمعايير العالمية.
تأثير العقوبات: تؤثر العقوبات بشكل مباشر على استيراد قطع الغيار والوقود وتمنع تنفيذ استثمارات أو عقود جديدة مع شركات عالمية.
مشهد الطاقة المتجددة في سوريا ومقارنته عربياً
رغم توفر الإمكانات الطبيعية (300 يوم مشمس سنويًا، مناطق رياح واعدة)، لم تحقق مشاريع الطاقة المتجددة سوى تقدم محدود:
محطة شمسية في مدينة حسياء الصناعية
محطة شمسية في حماة بقدرة 1 ميغاواط
عنفة ريحية في الذهبية بقدرة 2.5 ميغاواط
مشروع كهروضوئي في عدرا الصناعية بقدرة 10 ميغاواط (تشغيل جزئي)
مشروع كهروضوئي في حسياء الصناعية بقدرة 20 من أصل 60 ميغاواط (تشغيل جزئي)
مقارنة مع الدول العربية:
المغرب ينتج أكثر من 30% من كهربائه من الشمس والرياح.
مصر أنجزت مجمع بنبان للطاقة الشمسية بقدرة 1.8 غيغاواط.
الإمارات تسعى للوصول إلى 50% من الكهرباء من مصادر متجددة بحلول 2050.
المبادرات والفرص المستقبلية
مشاريع لتشغيل سفن توليد عائمة بالتعاون مع دول إقليمية قد تضيف 400 ميغاواط للشبكة.
تفعيل اتفاقيات إقليمية لاستيراد الغاز والكهرباء.
تعزيز الاستفادة من خط الغاز العربي.
برامج حكومية جديدة لدعم مشاريع الطاقة المتجددة، وتقديم حوافز للمستثمرين.
التحديات الكبرى أمام مستقبل الطاقة في سوريا
تضرر البنية التحتية وصعوبة الإصلاح.
نقص الوقود وقطع الغيار.
آثار العقوبات الاقتصادية.
ضعف التمويل وتراجع الاستثمارات.
ضعف كفاءة شبكات التوزيع وكثرة الفاقد الفني.
رؤية مستقبلية: كيف يمكن للنهوض بقطاع الطاقة أن يبدأ؟
الإسراع في إعادة تأهيل محطات التوليد والتوزيع.
تحديث التشريعات لجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية.
تعزيز التعاون الإقليمي في مجال الطاقة.
التوسع في مشاريع الطاقة الشمسية والرياح لتخفيض الاعتماد على الوقود الأحفوري.
تطبيق سياسات ترشيد الاستهلاك وتحسين كفاءة الطاقة.
خاتمة
رغم حجم التحديات، لا يزال قطاع الطاقة في سوريا يمتلك مقومات النهوض من جديد بفضل موارده الطبيعية وخبراته الفنية. الطريق إلى تحقيق أمن الطاقة في سوريا يبدأ من التخطيط السليم والاستفادة من الخبرات الإقليمية، وفتح الباب أمام الاستثمار في الطاقة المتجددة والتكنولوجيا الحديثة. تحقيق هذا الهدف يعني تحسين جودة الحياة وتحقيق التنمية المستدامة في سوريا خلال السنوات القادمة.
إحصائيات وأرقام الطاقة في سورية
تطور القدرة الإنتاجية والاستهلاك في سوريا (2010 – 2025)
تطور القدرة الإنتاجية والاستهلاك في سوريا (2010 - 2025)
نسبة الفاقد (%) | ساعات التغذية اليومية (متوسط) | نصيب الفرد (ك.و.س/سنة) | الطلب (ميغاواط) | القدرة الفعلية (ميغاواط) | القدرة الاسمية (ميغاواط) | السنة |
---|---|---|---|---|---|---|
26 | 20+ | 2378 | 8600 | 7200 | 9300 | 2010 |
30 | 4-6 | 1500 | 9000 | 2500 | 6000 | 2015 |
25-28 | 2-4 | 1190 | 9000+ | 2600 | 6000 | 2021 |
25-28 | 2-4 | أقل من 1200 | 9000+ | 2600 | 6000 | 2025 |
فرص الطاقة المتجددة في سورية

خريطة سورية الشمسية

طاقة الرياح الواعدة
