تأثير العقود الجديدة في قطاع الطاقة السوري: بين التحول الاستراتيجي وفرص المستقبل

في خطوة تُعتبر الأضخم منذ عقود، وقّعت الحكومة السورية في 29 أيار/مايو 2025 مذكرة تفاهم تاريخية مع تحالف من الشركات الدولية بقيمة 7 مليارات دولار (نحو 77 تريليون ليرة سورية). يضم التحالف كلاً من شركة UCC القطرية التابعة لأورباكون القابضة، وشركة بور إنترناشونال الأميركية، إلى جانب شركتي جاليون إنيرجي وجنكز إنيرجي التركيتين.
الاتفاقية تنص على إنشاء أربع محطات غازية بنظام الدورة المركبة بقدرة إجمالية تصل إلى 4 غيغاواط، إضافة إلى محطة شمسية بقدرة 1 غيغاواط في جنوب البلاد، لتكون الأكبر في تاريخ سوريا.

تفاصيل القدرة المركبة والجدول الزمني

  • محطة تريفاوي (ريف حمص): 1500 ميغاواط

  • محطة محردة (ريف حماة): 1000 ميغاواط

  • محطة زيزون (ريف حماة): 750 ميغاواط

  • محطة دير الزور (الشمال الشرقي): 750 ميغاواط

  • محطة وديان الربيع الشمسية (جنوب سوريا): 1000 ميغاواط

أما من حيث الجدول الزمني، فالمحطات الغازية ستنجز خلال ثلاث سنوات، بينما المحطة الشمسية من المقرر أن تدخل الخدمة خلال أقل من عامين.

ماذا يعني ذلك من حيث الإنتاج الفعلي؟

إذا ما اعتُمد معامل قدرة وسطي بحدود 60% للمحطات الغازية، فإن هذه المنشآت ستنتج ما يقارب 21 تيراواط/ساعة سنوياً. وبالنسبة لمحطة الطاقة الشمسية، وبافتراض معامل قدرة يبلغ 21%، فإن إنتاجها السنوي سيصل إلى 2 تيراواط/ساعة.
المجموع الكلي يصل إلى 23 تيراواط/ساعة سنوياً، أي ما يعادل 23,000 غيغاواط/ساعة، وهو رقم ضخم يكفي لتغطية احتياجات نحو 7 ملايين أسرة سورية، علماً بأن عدد الأسر في البلاد يقارب 5 ملايين فقط، بافتراض متوسط استهلاك يومي يبلغ 8 كيلوواط/ساعة للأسرة.

البعد الجغرافي للمشاريع

اختيار مواقع هذه المحطات لم يكن عشوائياً، بل جاء مدروساً بعناية:

  • دير الزور: لتثبيت الاستقرار في منطقة النفط والغاز وضمان تغذيتها بالكهرباء محلياً.

  • محردة وزيزون (ريف حماة): لإعادة إحياء البنية المدمرة وربطها مجدداً بسد العاصي.

  • تريفاوي (ريف حمص): قرب ممر الغاز العربي، ما يقلل كلفة النقل والفاقد.

  • وديان الربيع (الجنوب): حيث الإشعاع الشمسي الأعلى في سوريا، ما يجعلها مثالية لمشروع ضخم للطاقة الشمسية.

هذا التوزيع الجغرافي يحقق أكثر من هدف: تخفيف الاختناقات الإقليمية، تقليص الفاقد على خطوط النقل، وتحقيق توازن أفضل في تغطية الشبكة الوطنية.

الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية

إلى جانب البعد الطاقوي، تحمل الاتفاقية انعكاسات واسعة على الاقتصاد والمجتمع السوري:

  • أمن الطاقة: من المتوقع أن ينخفض التقنين الحالي من 20–23 ساعة يومياً إلى أقل من 4 ساعات في معظم المحافظات إذا ما اكتملت الشبكات الداعمة.

  • القوى العاملة: يقدَّر أن هذه المشاريع ستخلق 50 ألف فرصة عمل مباشرة وقرابة 250 ألف وظيفة غير مباشرة، ما قد يسهم في خفض البطالة بشكل ملموس، وزيادة القوة الشرائية، ودفع عجلة الاقتصاد المحلي.

  • الاستثمار الإقليمي: إدخال شركات تركية وقطرية وأميركية في وقت واحد يحمل دلالات سياسية واضحة، ويفتح الباب أمام مزيد من الانخراط الدولي في عملية إعادة الإعمار.

قراءة سياسية–طاقوية

رغم أن الاتفاقية تبدو تقنية في ظاهرها، إلا أن أبعادها أوسع بكثير:

  • على المستوى السياسي، هي محاولة لإظهار قدرة الدولة على جذب استثمارات دولية كبيرة، رغم العقوبات والتحديات المالية.

  • على المستوى الاقتصادي، فإن إضافة 5 غيغاواط إلى الشبكة السورية تمثل قفزة من مرحلة العجز إلى مرحلة الوفرة، وهو ما قد يغيّر قواعد اللعبة في الاقتصاد السوري.

  • على المستوى الاجتماعي، الكهرباء ليست مجرد خدمة، بل هي شرط أساسي لإعادة الحياة الطبيعية، وتشغيل الصناعات، وضمان استقرار المجتمعات.

الخلاصة: نحو تحول جذري

إضافة 5 غيغاواط ليست مجرد أرقام على الورق، بل تمثل بداية مسار جديد لسوريا يمكن أن ينقلها من حالة الانقطاع والتقنين المزمن إلى وفرة نسبية في الكهرباء. هذا التحول قد يتيح:

  • تحسين مستوى المعيشة اليومي للمواطن.

  • فتح فرص استثمار جديدة في قطاعات الزراعة، الصناعة، والخدمات.

  • تعزيز التكامل الإقليمي عبر إمكانية تبادل الكهرباء مستقبلاً عبر الحدود، خاصة إذا تحققت مشاريع الربط الكهربائي مع دول الجوار.

في النهاية، يمكن القول إن هذه العقود تحمل بذور تحول استراتيجي، لكنها في الوقت ذاته اختبار حقيقي لقدرة سوريا على التنفيذ وسط بيئة مليئة بالتحديات. النجاح في هذه المشاريع سيعني أكثر من مجرد كهرباء إضافية؛ سيعني بداية مرحلة جديدة قد تغيّر وجه الاقتصاد والمجتمع السوري لعقود قادمة.

Leave A Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *