يشهد قطاع الطاقة في سوريا نقطة تحول كبرى مع الإعلان عن تشكيل لجنة مشتركة بين وزارة الطاقة السورية وشركة “أرامكو” السعودية بهدف تأسيس شركة قابضة للطاقة مملوكة للصندوق السيادي السوري. تأتي هذه الخطوة ضمن جهود الحكومة السورية لإعادة تنظيم هذا القطاع الحيوي بعد سنوات من التحديات التشغيلية والمالية التي أثرت سلباً على إنتاج واستدامة الطاقة في البلاد.
المشروع يستند إلى نموذج هيكلي مستوحى من أرامكو، مع تعديلات تراعي خصوصية الحقول السورية، ويهدف بالدرجة الأولى إلى تقليص البيروقراطية، رفع كفاءة الإدارة، وإرساء حوكمة حديثة للقطاع. وبحسب وزارة الطاقة، فإن المرحلة الأولى ستركز على بناء الإطار المؤسسي للشركة، على أن يُؤجل أي استثمار مباشر من أرامكو سواء في الحقول أو المصافي أو قطاع التجزئة لحين الإعلان الرسمي عن الشركة.
الصندوق السيادي السوري: ركيزة الاستراتيجية الجديدة
أُعلن عن تأسيس الصندوق السيادي السوري منتصف عام 2025 بموجب مرسوم رئاسي يهدف إلى تنشيط الاقتصاد الوطني وجذب الاستثمارات وتنفيذ مشاريع تنموية كبرى. يوفر هذا الصندوق الإطار المؤسسي والمالي لإطلاق مشاريع الطاقة الاستراتيجية وضمان إدارة أكثر كفاءة للأصول والثروات الوطنية
أهداف تأسيس الشركة القابضة للطاقة على نمط “أرامكو”
تتجلى رؤية وزارة الطاقة السورية في استلهام تجربة “أرامكو” في تأسيس شركة وطنية بطاقة مؤسسية قوية وهيكلية متطورة تعتمد الشفافية والحوكمة الرشيدة. تهدف الشركة القابضة الجديدة إلى:
تقليص البيروقراطية في القطاع وتحسين كفاءة الإدارة.
استقطاب الخبرات التقنية والإدارية السعودية في تطوير الحوكمة والمؤسسات.
جذب الاستثمارات الخارجية وضمان جدوى اقتصادية للمشاريع.
تقديم حلول مستدامة لتحديات البنية التحتية ورفع مستويات إنتاج النفط والغاز والكهرباء في سوريا.
تفاصيل التعاون الفني والتحضيرات التنفيذية
زار وزير الطاقة السوري محمد البشير مقر أرامكو في الظهران ضمن سلسلة زيارات ولقاءات تهدف للاستفادة من خبرات الشركة السعودية العملاقة. يجري حالياً تنظيم ورشة عمل ولقاءات فنية بين خبراء سوريين وسعوديين لمناقشة تفاصيل الحوكمة المؤسسية وهيكلية الشركة والقوانين المنظمة للاستثمار وخطط التطوير التقني والإداري في قطاع الطاقة السوري.
الاستثمارات النفطية السعودية والدعم الاقتصادي
تزامناً مع المشروع الجديد، وقعت السعودية عدة اتفاقيات اقتصادية واستثمارية واسعة مع سوريا، شملت منح مليون ونصف برميل من النفط الخام وتوقيع عقود إنشاء محطات طاقة متجددة وتطوير الشبكة الكهربائية بقيمة مليارات الدولارات. يعزز هذا من فرص استقرار السوق المحلية للطاقة ويدعم جهود إعادة إعمار الاقتصاد السوري.
التحديات والفرص أمام المشروع
رغم الأفق الواعد، تظل هناك مجموعة تحديات رئيسية تتعلق بالاستقرار السياسي والأمني، واحتياجات إعادة تأهيل البنية التحتية النفطية والكهربائية، إضافة إلى ضرورة تطوير الإطار القانوني لجذب المزيد من الاستثمارات وضمان استدامة المشاريع على المدى الطويل. لكن مع وجود دعم سعودي قوي وخبرة أرامكو العالمية، تبدو الفرصة مواتية لنجاح هذه المبادرة كأنموذج عربي متقدم في استعادة الحياة الإنتاجية للقطاع.
آثار التعاون على مستقبل الطاقة في سوريا والمنطقة
من المتوقع أن يسهم إنشاء الشركة القابضة للطاقة في إعادة هيكلة القطاع ورفع معايير الإدارة ومؤشرات الأداء، ما يتيح للسوق السوري الانفتاح أمام شراكات استراتيجية عربية ودولية ونقل أحدث التقنيات والممارسات في الصناعة. يجسد المشروع نقلة نوعية في التعاون الإقليمي ويعزز فرص تطوير الاقتصاد الوطني وتحقيق تنمية مستدامة قائمة على المعرفة والتكنولوجيا.
سوريا تنطلق نحو مستقبل طاقي واعد
يمثل التعاون السوري السعودي الجديد في الطاقة نقطة بداية لعهد جديد في قطاع الطاقة السوري. مع تبني نموذج “أرامكو” في الحوكمة والإدارة، وإشراك الصندوق السيادي في تمويل المشاريع، أصبح مستقبل الطاقة في سوريا أكثر وضوحاً وتكاملاً مع البيئة الاقتصادية والإقليمية الحديثة ويمثل مثالاً يُحتذى به في التحول المؤسساتي لقطاع الطاقة في العالم العربي.