يشهد قطاعا الكهرباء والمياه في سورية تحولات استراتيجية مع تسارع الجهود نحو التحول الرقمي وتحسين كفاءة إدارة الموارد. وفي هذا الإطار، جاء لقاء وزير الطاقة السوري محمد البشير مع وفد من شركة محمد أحمد الحرفي السعودية، لبحث التعاون في مجال تطوير أنظمة العدادات الذكية للمياه والكهرباء. هذا اللقاء يُعد نقطة انطلاق نحو إدخال تقنيات حديثة تسهم في رفع كفاءة الاستهلاك وتعزيز الشفافية في الفوترة والتحصيل.
ما هي العدادات الذكية؟
العدادات الذكية هي أجهزة رقمية متصلة بأنظمة مراقبة مركزية، تعمل بتقنيات اتصال حديثة مثل NB-IoT وPLC وLoRaWAN، وتوفر بيانات دقيقة وفورية عن استهلاك الطاقة والمياه.
تتميّز العدادات الذكية بالقدرة على:
قراءة الاستهلاك بشكل لحظي دون تدخل بشري.
إرسال البيانات تلقائيًا إلى مراكز التحكم.
دعم نظام الدفع المسبق وإدارة الرصيد.
كشف الأعطال أو التسربات فور حدوثها.
تمكين فصل الخدمة أو إعادتها عن بُعد.
هذه التقنيات تفتح الباب أمام منظومة ذكية لإدارة الطاقة والمياه تعتمد على التحليل الآني للبيانات وتساعد في اتخاذ قرارات مبنية على الواقع الفعلي للاستهلاك.
التجربة السعودية كنموذج ناجح
المملكة العربية السعودية تعدّ من أبرز الدول العربية التي نفذت مشروع العدادات الذكية على نطاق وطني.
فقد قامت شركة الكهرباء السعودية بتركيب أكثر من 10 ملايين عداد ذكي بتكلفة بلغت 9.56 مليار ريال سعودي، أي بمعدل يقارب 956 ريالاً للعداد الواحد، وحققت من خلاله نتائج ملموسة في خفض الفاقد الفني والتجاري بنسبة تفوق 10٪.
أما شركة المياه الوطنية السعودية فقد استخدمت عدادات iPERL من شركة Sensus الأمريكية، وهي عدادات فائقة الدقة قادرة على اكتشاف التسربات الصغيرة جدًا وتخزين بيانات تفصيلية عن تدفق المياه بمعدل تسجيل كل 15 دقيقة.
النتيجة كانت تحسين كفاءة الشبكات ورفع مستوى رضا المستهلكين بفضل الدقة العالية في الفوترة.
تأثير العدادات الذكية على سورية
1. في قطاع الكهرباء
خفض الفاقد الكهربائي الذي يتجاوز في بعض المناطق 30٪.
تحسين الجباية وتسهيل التحصيل المالي عبر الأنظمة الرقمية.
تمكين المواطن من مراقبة استهلاكه عبر تطبيقات ذكية.
دعم مشاريع الطاقة الشمسية المنزلية عبر القياس الثنائي (الإنتاج والاستهلاك).
2. في قطاع المياه
تقليل المياه غير المفوترة الناتجة عن التسربات أو الأعطال.
تحسين عدالة الفوترة بين المناطق من خلال بيانات دقيقة.
رفع كفاءة الشبكة العامة وتوجيه الاستثمارات نحو المناطق الأعلى استهلاكًا.
التحديات أمام التطبيق في سورية
رغم الفوائد الكبيرة، هناك مجموعة من التحديات التي يجب التعامل معها بحكمة:
ضعف البنية التحتية للاتصالات في بعض المحافظات، ما يستدعي اعتماد شبكات اتصال خاصة.
التكلفة الاستثمارية العالية، إذ يبلغ سعر العداد الذكي للكهرباء نحو 250 دولارًا، والمياه حوالي 200 دولار.
نقص الكوادر الفنية المتخصصة في تركيب وصيانة هذه الأنظمة.
الحاجة إلى بناء الثقة الرقمية لدى المستخدمين وتوضيح أهمية النظام في تحقيق العدالة والشفافية.
خطوات تنفيذية مقترحة
إطلاق مشروع تجريبي وطني يبدأ بتركيب 10 آلاف عداد ذكي في محافظة كبرى مثل دمشق أو حلب.
إنشاء منصة رقمية وطنية لربط العدادات الذكية بمركز بيانات موحّد لإدارة الفواتير والتحليل.
الشراكة مع الشركات السعودية المتخصصة مثل الفنار وSensus لنقل الخبرة والتكنولوجيا.
تبني نظام تسعير مرن يعتمد على أوقات الذروة لتشجيع الترشيد.
توطين التصنيع لتقليل التكاليف وتوفير فرص عمل محلية.
رؤية مستقبلية
إدخال العدادات الذكية في سورية ليس مجرد تحديث تقني، بل يمثل تحولًا وطنيًا نحو الإدارة الذكية للموارد. هذه العدادات ستكون مصدر بيانات ضخم يمكن استخدامه في:
وضع سياسات تسعير عادلة للطاقة والمياه.
تخطيط استثمارات الطاقة المتجددة.
تحسين الأداء البيئي وتقليل الانبعاثات.
هذا التحول سيساعد سورية على بناء اقتصاد رقمي مستدام يدعم خطط التنمية ويعزز ثقة المواطن بالمؤسسات العامة.
خاتمة
إن مشروع العدادات الذكية في سورية خطوة استراتيجية نحو مستقبل أكثر كفاءة وشفافية واستدامة. فهو لا يهدف فقط إلى تحديث البنية التحتية، بل إلى تغيير ثقافة الاستهلاك وبناء منظومة رقمية متكاملة لإدارة الطاقة والمياه. التعاون بين سورية والسعودية في هذا المجال قد يشكّل حجر الأساس لنهضة تقنية جديدة تقود البلاد نحو التحول الرقمي الكامل في قطاعي الكهرباء والمياه.