من الوعود إلى التنفيذ: قراءة استراتيجية لمستقبل الطاقة في سورية

إعداد: بوابة الطاقة المتجددة في سورية – وحدة التحليل والسياسات

تشهد سورية في الآونة الأخيرة تحولات نوعية في مقاربة ملف الطاقة، بعد سنوات من التحديات الهيكلية في الإنتاج والتوزيع. فقد أعلن مدير الاتصال الحكومي بوزارة الطاقة، أحمد السليمان، عن بدء مرحلة جديدة تتمثل في تحويل الاتفاقيات الموقعة في الشهر الخامس إلى عقود تنفيذية فعلية، مع انطلاق الورش الإنشائية الشهر المقبل لبناء محطات توليد الكهرباء في مختلف المحافظات.

تشير هذه التصريحات إلى تحول مهم في استراتيجية وزارة الطاقة نحو إعادة بناء القدرات الإنتاجية، سواء عبر الطاقة التقليدية (الغاز والفيول)، أو من خلال مصادر الطاقة المتجددة (الشمس والرياح). كما تضع الوزارة أهدافاً كمية واضحة، منها الوصول إلى 7,000 ميغاواط من القدرة الإجمالية خلال ثلاث سنوات، وتقديم تحسن ملموس في ساعات التغذية المنزلية خلال 18 شهراً، مع توفير أكثر من 50 ألف فرصة عمل مباشرة و200 ألف غير مباشرة.

 

المرحلة التنفيذية: من الاتفاقيات إلى المشاريع على الأرض

يؤكد السليمان أن الاتفاقيات التي تم توقيعها سابقاً باتت اليوم في طور التنفيذ العملي، ضمن خطة تضمن العمل بالتوازي في جميع المحافظات. هذا التوجه اللامركزي في التنفيذ يُعد خطوة مهمة لتوزيع الأحمال والاستثمارات بشكل متوازن جغرافياً، ويعزز فرص التنمية الإقليمية.

إطلاق الورش الشهر المقبل يعني عملياً بداية مرحلة تعبئة موارد بشرية وفنية ولوجستية ضخمة، توازيها أعمال صيانة واستبدال في محطات قائمة، وإعداد مواقع لمشاريع جديدة بقدرات تتراوح بين 10 و100 ميغاواط.

فجوة الإنتاج والحاجة الوطنية

تقدّر الحاجة الوطنية من الكهرباء بنحو 7,000 ميغاواط، في حين وصل الإنتاج الحالي، بعد الصيانة الأخيرة، إلى حوالي 5,000 ميغاواط. هذه الفجوة البالغة 2,000 ميغاواط تمثل التحدي الأبرز في المرحلة القادمة، وهي قابلة للردم عبر مزيج متوازن من:

  • مشاريع الغاز الطبيعي (محطات دورة مركبة أو غازية حديثة) لتأمين 800–1,000 ميغاواط.

  • الطاقة الشمسية واسعة النطاق لتأمين 700–900 ميغاواط بسرعة إنجاز عالية.

  • مشاريع الرياح في المواقع الملائمة لتأمين 200–300 ميغاواط.

  • تحسين كفاءة المحطات القائمة لزيادة إنتاج مكافئ بنحو 200–300 ميغاواط.

بهذا التوزيع يمكن تحقيق استقرار نسبي في المنظومة الكهربائية إذا ترافق التنفيذ مع تحديث في شبكات النقل والتوزيع وضمان إمدادات الوقود.

الجدول الزمني الواقعي للتحسن الكهربائي

وفقاً للتصريحات الرسمية، يتوقع أن يبدأ المواطن بملاحظة تحسن تدريجي خلال 12 إلى 18 شهراً. لكن هذا التحسن مرتبط بثلاثة عوامل رئيسية:

  1. استمرارية استيراد الغاز الطبيعي لتغذية المحطات.

  2. التنفيذ المتوازي للمشاريع المتوسطة والصيانة الكبرى.

  3. جاهزية الشبكات لاستيعاب الطاقات الجديدة.

تجارب الدول ذات الظروف المشابهة تشير إلى أن مشاريع الطاقة الشمسية يمكن أن تبدأ بالإنتاج خلال أقل من عام من توقيع العقد، في حين تحتاج المحطات الغازية إلى فترة تتراوح بين 24 و36 شهراً للوصول إلى التشغيل الكامل.

ربط إقليمي لضمان الموثوقية

من بين النقاط اللافتة في تصريحات السليمان التأكيد على صيانة خطوط الربط مع تركيا والأردن. هذه الخطوة تحمل بعداً استراتيجياً مهماً، إذ تعيد لسورية موقعها ضمن منظومة الربط الكهربائي الإقليمي، ما يتيح استجرار الطاقة عند الذروة أو تصدير الفائض مستقبلاً، ويدعم استقرار المنظومة عبر التنسيق التشغيلي الإقليمي.

الطاقة المتجددة والبديلة: خطوة نحو التنوع الطاقي

أعلنت الوزارة عن نيتها توقيع عقود جديدة للطاقة المتجددة والبديلة. هذه المشاريع تمثل نقطة التحول الحقيقية في البنية الطاقية السورية، إذ تتيح تنويع مصادر الإنتاج، وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري المستورد، وتخفيف البصمة الكربونية.

إضافة إلى الأثر البيئي، تمتاز مشاريع الطاقة المتجددة بقدرتها على خلق وظائف محلية في مجالات الإنشاء والتشغيل والصيانة، إلى جانب توطين تقنيات جديدة في السوق المحلية.

الأثر الاجتماعي والاقتصادي للمشاريع

تُقدّر الوزارة أن المشروعات الجديدة ستوفر 50 ألف فرصة عمل مباشرة وأكثر من 200 ألف وظيفة غير مباشرة. هذه الأرقام تعكس حراكاً اقتصادياً واسعاً يشمل:

  • أعمال الإنشاءات والتجهيز الكهربائي والميكانيكي.

  • الصناعات المساندة مثل الكابلات والمحولات والهياكل المعدنية.

  • الخدمات التشغيلية والدعم اللوجستي.

لكن الأهم هو ضمان استدامة هذه الوظائف من خلال بناء كوادر فنية مؤهلة عبر برامج تدريب سريعة وموجهة في مجالات الطاقة المتجددة والغاز والكهرباء.

المخاطر المحتملة وإدارة التحديات

  1. التمويل والتسويات المالية: يمثل سعر الصرف وصعوبة التحويلات تحدياً رئيسياً. الحل يكمن في تفعيل صيغ التمويل التشاركي (PPP) وضمانات الدفع للمستثمرين.

  2. سلاسل التوريد: المعدات الرئيسية كالتوربينات والعواكس والمحولات تحتاج عقوداً مبكرة وموردين متعددين.

  3. الوقود: أي خلل في استيراد الغاز أو الفيول سينعكس فوراً على إنتاج الكهرباء. يجب تنويع المصادر وتعزيز الكفاءة.

  4. البنية التحتية للشبكات: يجب أن تسير توسعة محطات التحويل وخطوط النقل بالتوازي مع تنفيذ مشاريع التوليد.

مؤشرات المتابعة خلال 18 شهراً

لقياس التقدم الفعلي، يمكن اعتماد مؤشرات أداء رئيسية (KPIs) تشمل:

  • كمية القدرة المركبة شهرياً (MW).

  • ساعات التغذية المنزلية في المحافظات الكبرى.

  • نسبة الفواقد الفنية والتجارية.

  • عدد العقود الموقعة لمشاريع الطاقة المتجددة.

  • نسبة الإنجاز في صيانة محطات الربط الإقليمي.

  • حجم العمالة المستحدثة في قطاع الطاقة.

التوصيات الاستراتيجية

  • تسريع تنفيذ مشاريع متوسطة الحجم (20–100 ميغاواط) باستخدام آلية Fast-Track.

  • وضع تعرفة شراء مرنة للطاقة المتجددة مرتبطة بالتضخم وسعر الصرف.

  • الاستثمار في أنظمة تخزين الطاقة لدعم إدخال الطاقات الشمسية والرياح.

  • تحديث أنظمة التحكم بالشبكات (SCADA وEMS) لتحسين الموثوقية.

  • تعزيز برامج كفاءة الطاقة الوطنية في المباني والمؤسسات لتخفيض الحمل الأساسي بنسبة 5–8%.

تشكّل التصريحات الأخيرة لوزارة الطاقة السورية نقطة انعطاف نحو مرحلة إعادة بناء المنظومة الكهربائية على أسس أكثر توازناً وكفاءة. إن تحقيق وعود التحسن خلال 18 شهراً والوصول إلى 7,000 ميغاواط خلال ثلاث سنوات، يتطلب إدارة تنفيذية مرنة، وتعاوناً وثيقاً مع القطاع الخاص، وشفافية في نشر البيانات والمؤشرات.

فقط عبر هذا المزيج من الاستقرار في الوقود، والابتكار في التمويل، والالتزام الزمني، يمكن أن تتحول الوعود الحالية إلى واقع ملموس يشعر به المواطن السوري في منزله وفي حياته اليومية.

Leave A Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *