خلال الأيام الأخيرة، أثارت التصريحات الصادرة عن وزارة الطاقة السورية نقاشاً واسعاً حول أسباب عدم تحسن واقع الكهرباء في البلاد، رغم الإعلان عن بدء ضخ الغاز الأذري إلى المنظومة الكهربائية.
التحديات الفنية والواقع الحقيقي
مصادر فنية داخل وزارة الطاقة كشفت أن الغاز الأذربيجاني الذي بدأ ضخه مؤخراً لا يتوافق من حيث المزيج الغازي مع المواصفات التشغيلية للعنفات الغازية السورية، ما أدى إلى انخفاض كفاءة التوليد وعدم تحقيق الطاقة المرجوة.
كما أشارت إلى أن المشكلة لا تقتصر على نوعية الغاز فحسب، بل تتعلق أيضاً بغياب الصيانة الدورية للعنفات التي لم تُجرَ لها أي “عمرة كاملة” منذ أكثر من 15 عاماً، رغم أن تشغيلها بأي نوع جديد من الوقود يتطلب ذلك الإجراء الفني المتخصص بإشراف الشركة المصنّعة.
وأضافت المصادر أن استمرار التشغيل بهذه الظروف قد يؤدي إلى تراجع إضافي في الأداء مع دخول فصل الشتاء، نتيجة ازدياد الضغط على الشبكة وانخفاض الكفاءة التشغيلية في درجات الحرارة المنخفضة.
الموقف الرسمي للوزارة
في المقابل، أكدت وزارة الطاقة على لسان مدير الاتصال الحكومي والمتحدث الرسمي الأستاذ أحمد السليمان أن دخول الغاز الأذري إلى المنظومة قد أدى بالفعل إلى تحسن ملموس في التوليد خلال الأيام الماضية، لكنها أقرت بحدوث خلل طارئ في ضواغط محطة التوينان تسبب في تراجع مؤقت للإنتاج.
وأوضح السليمان أن كوادر الوزارة تعمل حالياً على إصلاح الضواغط وإعادة تشغيلها قريباً، مؤكداً أن تحسين واقع الكهرباء بشكل مستدام يتطلب وقتاً وجهداً نظراً لتهالك
خطط الإصلاح المستقبلية
أشار بيان الوزارة إلى أن الجهود مستمرة لتوسيع إنتاج الغاز المحلي والبحث عن مصادر توريد إضافية من الخارج، في مسعى لتحقيق استقرار تدريجي في التغذية الكهربائية. كما شدد على أهمية الشراكة مع شركات متخصصة لتطوير البنية التحتية وتحسين أداء محطات التوليد والنقل والتوزيع.
ردود أفعال
أثارت التصريحات الأخيرة لوزارة الطاقة السورية جدلاً واسعاً بين المنتقدين والمختصين.
عدد من المعلقين رأى أن المشكلة بدأت قبل تشغيل الغاز الأذري، بسبب غياب الاختبارات المسبقة وضعف التخطيط، فيما حمّل آخرون سوء الإدارة مسؤولية التراجع في الأداء.
خبراء فنيون أشاروا إلى أن محطات التوليد متهالكة وتحتاج إلى تحديث كامل وليس مجرد صيانة، بينما اعتبر آخرون أن البنية التحتية المتهالكة هي أساس الأزمة وأن أي وقود جديد لن يحسّن الوضع قبل إصلاح الشبكات والمحولات.
في المقابل، دعا بعض المشاركين إلى التحول نحو الطاقة المتجددة كخيار استراتيجي، فيما رأى آخرون أن المشكلة مالية وليست فنية بحتة.
⚙️ تعليق الباحث د. نورس قهوجي
أوضح د. قهوجي أن سبب ضعف التوليد لا يعود إلى الغاز الأذري نفسه، بل إلى عدم توافق خصائصه مع العنفات السورية القديمة التي لم تُجرَ لها صيانة منذ أكثر من 15 عاماً.
وبيّن أن العنفات تحتاج إلى تعديلات تقنية دقيقة تشمل تنقية الغاز، وتعديل فوهات الحقن وغرف الاحتراق، وتحديث أنظمة التحكم، وإجراء “عمرة كاملة” بإشراف الشركة المصنّعة.
وأكد أن الخلل في التوافق بين الوقود والتوربين، وليس في كمية الغاز، ما يعني أن أي تحسين حقيقي يتطلب إصلاحاً فنياً شاملاً وإدارة أكثر كفاءة.
خلاصة المشهد
من الواضح أن أزمة الكهرباء في سوريا لا ترتبط بعامل واحد، بل هي نتيجة تراكمات فنية وهيكلية عمرها سنوات طويلة، بدءاً من تقادم العنفات وغياب الصيانة الشاملة، مروراً بنقص الوقود المناسب، وصولاً إلى الضياعات المرتفعة في الشبكات وانخفاض كفاءة الترشيد.
ورغم محاولات الوزارة لطمأنة الشارع بوجود “تحسن نسبي” في التوليد، إلا أن الحلول الجذرية لا تزال تتطلب استثمارات كبيرة، وإصلاحات هيكلية عميقة تمتد من قطاع الغاز إلى منظومة الكهرباء بكاملها.